هوكشتاين ووقف النار في لبنان دون غزة

استغرب البعض أن يتحرّك كبير المستشارين الأميركيين لشؤون أمن الطاقة العالمي آيموس هوكشتاين الذي رعى مفاوضات الحدود البحرية، إلى بيروت في مهمة دبلوماسية تتناول الجبهة مع إسرائيل، في وقت لا ترسيم للحدود مطروحاً الآن، لا برياً ولا بحرياً. فالأحداث تتخطى موضوعاً تفاوضياً كهذا. فحتى خلال زيارته الأخيرة في 31 آب الماضي والتي طُرِح خلالها الطلب اللبناني لوساطة واشنطن في ترسيم الحدود البرية، لم يبدُ الموفد الأميركي مستعجلاً، واكتفى بطرح حلول جزئية للتوترات على الحدود بين «حزب الله» والجيش الإسرائيلي.

من الواضح أنّ هوكشتاين لم يأتِ من أجل الترسيم البري ولا من أجل ملف الغاز والنفط. فالتنقيب والإنتاج مجمدان منذ أكثر من شهر ولن يستأنفا من قبل شركة «توتال إنرجي» إلا مطلع العام 2025. وفي إسرائيل، التي يفترض المرء أنّ التوتر والاشتباك على الحدود مع لبنان سيمس بأمن التنقيب عن الغاز وإنتاجه في مياهها يمكن أن يهدده التصعيد العسكري بين «حزب الله» والدولة العبرية، تمّ إخلاء موظفي ومهندسي الشركات الغربية التي كانت تعمل في حقل «كاريش» وحقل «لفيتان»، في اليومين التاليين لعملية «طوفان الأقصى» في غزة. وكان هذا الإخلاء أولى إشارات الدعم الغربي لفلتان آلتها العسكرية المجنونة، على غزة، وتحضير وزير الدفاع يوآف غالانت لضرب «حزب الله» كما كان يفكر لولا تردد رئيس حكومته بنيامين نتانياهو، ولجم إدارة الرئيس جو بايدن هذا التوجه.

تشير معلومات أوساط سياسية إلى أنه سبق زيارة هوكشتاين إلى بيروت، قبل زهاء عشرة أيام أن طرح الجانب الأميركي اقتراح وقف إطلاق النار في الجنوب بين إسرائيل و»حزب الله»، على أن تضمن واشنطن الالتزام الإسرائيلي. وتم نقل الرسالة إلى «الحزب» عبر قنوات سياسية وأخرى رسمية. أو على الأقل فإن هذه القنوات الرسمية مثل رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، ورئيس البرلمان نبيه بري على علم بتلك الرسالة. قضت الرسالة بأن يتخلى «حزب الله» عن ربط المناوشات على الجبهة اللبنانية بتطورات الوضع في غزة واقتحام القوات الإسرائيلية للقطاع. إلا أنّ «الحزب» لم يعطِ جواباً على هذا العرض. تفسير الأوساط السياسية نفسها أنه لا يستطيع إعطاء أي جواب نظراً إلى أنّ الأمور مرهونة بالتطورات على جبهة غزة، ولأنّ أي توجه في هذا الصدد مرتبط بالموقف الإيراني.

ورجحت الأوساط السياسية نفسها أن يكون مجيء هوكشتاين المفاجئ إلى بيروت لتكرار المحاولة مجدداً لأنّ له تجربة في التفاوض غير المباشر مع «حزب الله» إبان دوره في ترسيم الحدود البحرية وتقاسم الثروة الغازية في البحر بين لبنان وإسرائيل، سواء عبر الرئيس بري أو نائب رئيس البرلمان الياس بو صعب، وأخيراً عبر صديقه المدير العام السابق للأمن العام اللواء عباس ابراهيم. فالأخير صرح الأسبوع الماضي بأن هوكشتاين اتصل به وتمنى عليه أن يلعب دوراً في الإفراج عن الرهائن الأميركيين لدى «حماس» في غزة.

في كل الأحوال اللافت في تصريح هوكشتاين بعد اجتماعه بالرئيس بري أمس تشديده على أن ّبلاده لا تريد لما يحصل في غزة ان يتصاعد ولا تريد له أن يتمدد الى لبنان ودعا إلى «التطبيق الكلي للقرار 1701». هذا يعني وفق منطوق القرار الدولي أن توقف إسرائيل خرقها له، وأن ينكفئ «الحزب» عن جنوب الليطاني ويتسلم الجيش اللبناني المنطقة فعلياً، بالاشتراك مع «اليونيفيل» لمنع «كتائب عز الدين القسام» التابعة لـ»حماس»، وحركة «الجهاد الإسلامي» وقوات «الفجر» التابعة لـ»الجماعة الإسلامية»، و»سرايا المقاومة»، وغيرها من الفصائل، من استخدام المنطقة الحدودية الجنوبية لقصف شمال إسرائيل، حيث جرى إخلاء معظم سكان المستوطنات...

إذا صح توقع الأوساط السياسية نفسها أنّ مهمة هوكشتاين تتعلق بهذا الهدف، فلأن الجانب الأميركي يريد تجنب أمرين:

- إشغال «الحزب» للجيش الإسرائيلي عن حشد كل وحداته على الجبهة مع غزة. فالأمين العام السيد نصرالله قال في خطابه الجمعة الماضية إنّ هذا أحد أهداف المواجهات التي يخوضها «الحزب» من الجنوب.

- اضطرار إسرائيل لإبقاء عشرات الآلاف من جنودها على الجبهة مع لبنان في وجه «الحزب»، يؤدي إلى إطالة تحقيق الجيش الإسرائيلي أهدافه في غزة، بحيث تتواصل العمليات العسكرية المحرجة لواشنطن بسبب المجازر والإبادة الجماعية التي تمارسها حكومة نتنياهو ووزراؤه المتطرفون. وهو أمر بدأ ينعكس سلباً داخل الإدارة الأميركية والكونغرس، بفعل اعتراض الرأي العام. ولذلك تطمح واشنطن لوقف النار في لبنان ولا تريده في غزة.

إلا أنّ مصادر سياسية مراقبة ترى أن هوكشتاين بطرحه تنفيذ القرار الدولي يسعى إلى قطع الطريق على إمكان توسع الحرب فعلاً، بقرار من إسرائيل رداً على «حزب الله»، في وقت ينذر فتح الجبهة اللبنانية إذا حصل باضطرار أميركا للرمي بثقلها، ما يعني تمويل وإدارة حرب واسعة إضافة إلى حرب أوكرانيا، المكلفة...

المصدر: نداء الوطن